“إلغاء حبس المدين في النفقة… قرارٌ صادم يترك الأطفال والمطلقات بلا حماية ويستدعي إنشاء صندوق وطني عاجل للنفقات!”

محي الدين غنيم  …..

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الشارع الأردني، أقرّ مجلس النواب قانونًا جديدًا يقضي بعدم حبس المدين في قضايا النفقة والمهر. ورغم أن هذا القرار يندرج في إطار التخفيف من العقوبات السالبة للحرية وتطوير المنظومة القانونية، إلا أنّه فتح الباب أمام تساؤلات حقيقية عن مصير الفئات الأضعف، وعلى رأسها الأطفال والمطلقات اللواتي تعد النفقة لهنّ حقا معيشيًا لا يحتمل التسويف ولا التأجيل.

إنَّ النفقة ليست دينًا عاديًا يمكن تأجيله أو التهاون به، بل هي حق يومي للأطفال وحق إنساني للمرأة المطلقة التي تتحمل وحدها أعباء التربية والحياة. ومع الأسف، لطالما أثبت الواقع أن جزءًا غير قليل من الآباء يتقاعسون عن دفع النفقة إلا تحت ضغط القانون وإجراءاته الصارمة. لذلك فإن إلغاء الحبس دون توفير بديل فعّال يضمن وصول الحقوق لأصحابها، قد يُفسَّر على أنه رفعٌ للحماية القانونية عن أضعف فئة في المجتمع.

وكان من الأولى وربما من الواجب التشريعي  أن يُرفق هذا القرار بخطوة موازية تمنع الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الذي قد يترتب عليه، وهي إنشاء صندوق وطني للنفقة، على غرار التجربة الرائدة في الجمهورية التونسية. ففي تونس، لا يُترك الطفل أو المطلقة في مواجهة تقاعس الأب، بل يقوم الصندوق بدفع النفقة فورًا للمستحقين، ثم يتولى تحصيل المبالغ من المدين بالطرق القانونية، باعتبار أن أموال الصندوق أموال أميرية لها قوة القانون وهيبتُه.

هذا النموذج يُحقق العدالة من جهتين:

1. حماية حق الطفل والمرأة في نفقة مستمرة دون انقطاع.

2. تحميل الأب المتهرب مسؤوليته وتحقيق الردع دون الحاجة للحبس.

إن المسؤولية اليوم تقع على عاتق مجلس النواب والحكومة معا لإغلاق هذه الفجوة التشريعية عبر إنشاء هذا الصندوق فورًا، لأن القرار الحالي وحده دون بديل  يضع آلاف الأسر في مواجهة الفراغ، ويحوّل النفقة من “حق مضمون” إلى “وعد يُنتظر”.

إن الأطفال والمطلقات ليسوا طرفًا في الخلافات الزوجية، ولا يجوز أن يدفعوا ثمن قوانين ناقصة أو حلول غير مكتملة. فالمجتمع الذي لا يحمي أضعف فئاته، يُعرّض بنيانه الاجتماعي كله للاهتزاز.

إن إنشاء صندوق وطني للنفقة لم يعد خيارًا… بل ضرورة لإنقاذ حقوقٍ تتعلق بالكرامة، والمعيشة، واستقرار الأسر الأردنية.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا